شعر وأدب

مرثية مالك بن الريب ، أبياتها ومناسبة قولها

مرثية مالك بن الريب، أبياتها ومناسبة قولها حيث تعدّ هذه المرثية من أجمل أبيات الرثاء التي يذخر بها الديوان العربي، فالرثاء ينبع من الحزن الصادق الذي يعيشه الشاعر عندما يسرق له الموت غالياً كرثاء الخنساء في أخيها صخر، ورثاء ابن الرومي لأوسط صبيته، ولهذا يهتمّ موقع أطروحة عبر هذا المقال بتسليط الضوء على أهمّ هذه المرثيات وهي مرثية مالك بن الريب، وعرض أهم المعلومات عنه.

من هو مالك بن الريب

هو مالك بن الريب التميمي من بني مازن ويكنّى بأبي عقبه، هو أحد الشعراء الظرفاء الذين اشتهروا في بداية العصر الأموي، وفي شبابه عرف بالشجاعة والقوة اللّتان سخّرهما برفقة مجموعة من الشبّان في السرقة و قطع الطّرق، وكان شظاظٌ أحد هؤلاء الشبّان، والذي كان مضرباً للمثَل في السرقة بين أبناء العرب حيث كانوا يقولون: ألصُّ من شظاظ. ولكن فيما بعد وبفضلٍ من اللّه تعالى، وبفضل سعيد بن عثمان بن عفّان -رضي اللّه عنهما- تقوّم سلوكه وحسنت سيرته إلى أن آن أوان الرحيل فأحسّ مالك بن الريب بدنو أجله بعد مرضه مرضاً شديداً، وراح يرثي نفسه حتى أصبحت مرثيته الأشهر في التاريخ العربي.[1]

شاهد أيضًا: قيس بن الملوح سيرته وأجمل ما قال من الشعر

سيرة حياة مالك بن الريب

كان مالك فارساً مغواراً أمضى شبابه في قطع الطرق وسرقة المارّين عبرها إلى أن جاء حفيد ابن عفّان رضي الله عنه ونصحه فانتصح وسار على طريقٍ قويمٍ حتى جاء موعد الرحيل، وفيما يلي بعض المعلومات العامة حول سيرة حياة هذا الشاعر الذي خلّد ذكراه برثاء نفسه:

نسبه

هو مالك بن الرَّيْب بن حوط بن قرط بن حسل بن عاتك بن خالد بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر بن إد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.[2] ولد في نجد في الجزيرة العربية في عام 21 هجري ونشأ فيها.

سيرة حياة مالك بن الريب

الصعلكة

شبّ مالك بن ريب التميمي بين الصعاليك حتى أصبح واحداً منهم يبطش بالمارة ويقطع طريقهم ويسرق بضائعهم، وكان معه مجموعة من الصعاليك الذين استغلوا قوّتهم وشجاعتهم في السرقة، و كان على رأسهم شظاظ الضبي الذي ذاع صيته في الدولة الأموية خاصةً، وفي الجزيرة العربية عامةً حتى أصبح مثَلاً أعلى للصّوص من بعده يقتدون به ويحذون حذوه.

جهاده

استلم معاوية بن أبي سفيان الخلافة و بعد ذلك جعل ولاية خراسان في يدّ سعيد بن عثمان بن عفان لمدة عامين، ومرة خرج سعيد من المدينة فلقي بمالكٍ وأعجب ببسالته وشجاعته، وأخذ يقنعه بترك طريق الضلالة والالتفات إلى الجهاد وإصلاح ما تبقّى من عمره، كما أنه عرض عليه خمسمئة دينار كلّ شهر، فوافق مالك وترك أهله في نجد، وانطلق بصحبة سعيد لخوض المعارك، فأبليا بلاءً حسناً، ومرةً أناء العودة من إحدى المعارك مرض مالك وضعف بدنه وخارقت قواه وهذا ما جعله يقول أبياتاً يرثي بها نفسه، وهذه الأبيات خلدّت ذكراه بعد وفاته.

وفاته

إن خروج سعيد بن عثمان بن عفّان رضي الله عنهما لإخماد فتنةً في خراسان كان سبباً لتوبة مالك بن الريب وإصلاح سيرته بين العرب، فخاض عدّة معارك في سبيل اللّه، وشُهد له بقوّة السيف ورباط الجأش، لكنّ أثناء عودته مرّة من إحدى المعارك مرض فوهن وضعف جسمه، وبعضهم قال أن أفعىً ما قد لسعته، فلزم فراشه وأحس بدنو أجله وذلك في عام 57 هجري، فراح يرثي شبابه ويستذكر بطولاته، ومرثيته هذه النابعة من قلبٍ صادقٍ وحزين جعلت منه شاعراً خالداً في ذهن كل عربي.

شاهد أيضًا: حكم سيوفك في رقاب العذل

مرثية مالك بن الريب

عندما يذكّر مالك بن الريب فلا يخطر في الأذهان إلّا تلك الأبيات الحزينة التي قالها مالك وهو على فراش الموت، وسجلّت هذه الأبيات كإحدى أجمل قصائد الرثاء التي حفظها الديوان العربي عبر الزمن، والمؤلفة من ثمانية وخمسين بيتاً من الشعر، وفيما يلي باقةٌ مختارةٌ من هذه الأبيات:

أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً
بِجَنبِ الغَضا أُزجي القَلاصَ النَواجِيا
فَلَيتَ الغَضا لَم يَقطعِ الرَكبُ عرضه
وَلَيتَ الغَضا ماشى الرِّكابَ لَيالِيا
أَلَم تَرَني بِعتُ الضَلالَةَ بِالهُدى
وَأَصبَحتُ في جَيشِ اِبنِ عَفّانَ غازِيا
وَأَصبَحتُ في أَرضِ الأَعاديِّ بَعدَما
أرانِيَ عَن أَرضِ الأَعادِيِّ نائِيا
دَعاني الهَوى مِن أَهلِ أَودَ وَصُحبَتي
بِذي الطَّبَسَينِ فَالتَفَتُّ وَرائِيا
أَجَبتُ الهَوى لَمّا دَعاني بِزَفرَةٍ
تَقَنَّعتُ مِنها أَن أُلامَ رِدائِيا
تَقولُ اِبنَتي لَمّا رَأَت وَشكَ رحلَتي
سفارُكَ هَذا تارِكي لا أَبالِيا
تَذَكَّرتُ مَن يَبكي عَلَيَّ فَلَم أَجِد
سِوى السَّيفِ وَالرُّمحِ الرُدَينِيِّ باكِيا
وَأَشقَرَ مَحبوكٍ يَجُرُّ عَنانَهُ
إِلى الماءِ لَم يَترُك لَهُ المَوتُ ساقِيا
يُقادُ ذَليلاً بَعدَما ماتَ رَبُّهُ
يُباعُ بِبَخسٍ بَعدَما كانَ غالِيا
وَلَمّا تَراءَت عِندَ مَروٍ منِيتي
وَخَلَّ بِها جِسمي وَحانَت وَفاتِيا
أَقولُ لأَصحابي اِرفَعوني فَإِنَّهُ
يَقَرُّ بِعَيني أَن سُهَيلٌ بَدا لِيا
فَيا صاحِبي رَحلي دَنا المَوتُ فَاِنزِلا
بِرابِيَةٍ إِنّي مُقيمٌ لَيالِيا
أقيما عَلَيَّ اليَومَ أَو بَعضَ لَيلَةٍ
وَلا تُعجلاني قَد تَبَيَّنَ شانِيا
وَقوما إِذا ما اِستُلَّ روحي فَهَيِّئا
لِيَ السّدرَ وَالأَكفانَ عِندَ فَنائِيا
وَخُطّا بِأَطرافِ الأَسِنَّةِ مَضجَعي
وَرُدَّا عَلى عَينَيَّ فَضلَ ردائِيا
وَلا تَحسداني بارَكَ اللَّهُ فيكُما
مِنَ الأَرضِ ذاتَ العَرضِ أَن توسِعا لِيا
خُذاني فَجُرّاني بِثَوبي إِلَيكُما
فَقَد كُنتُ قَبلَ اليَومِ صَعباً قيادِيا
وَقَد كُنتُ عَطَّافاً إِذا الخَيلُ أَدبَرَت
سَريعاً لَدى الهَيجا إِلى مَن دَعانِيا
وَقَد كُنتُ صَبَّاراً عَلى القرنِ في الوَغى
ثَقيلاً عَلى الأَعداءِ عَضباً لِسانِيا
وَقَد كُنتُ مَحموداً لَدى الزادِ وَالقِرى
وَعَن شَتمِيَ اِبنَ العَمِّ وَالجارَ وانِيا
فَطَوراً تَراني في ظلالٍ وَنِعمَةٍ
وَطَوراً تَراني وَالعِتاقُ رِكابِيا

مناسبة قول مرثية مالك بن الريب

ذاع صيت مالك بن ريب ومن معه من الصعاليك في جميع أنحاء الجزيرة العربية، الذين امتهنوا قطع الطرق والسرقة، إلى أن جاء اليوم الذي التقى فيه سعيد بن عثمان بن عفان بمالك بن الريب، وأنّبه على فعله الشنيع ذاك، وأخذ ينصحه بترك الضلالة و أن يستغلّ قوة سيفه وسداد رأيه في نفع الإسلام والمسلمين، فانتصح مالك، وسار برفقة سعيد، وخاض الوقائع والمعارك، وكان يبلي حسناً في كلّ مرة، وأثناء عودتهم من إحدى المعارك مرض ما قد أصاب ابن الريب، جعله يلتزم الفراش ويستشعر اقتراب موعد رحيله عن الدنيا، فأطلق العنان لأشعاره وأخذ يرثي نفسه بأبياتٍ حزينةٍ مشيراً إلى غربته بعد تركه لأهله.

شرح ألفاظ من مرثية مالك بن الريب

إنّ مرثية ابن الريب غنية بالكلمات الفصيحة والمفردات الصعبة التي تحتاج إلى بعض الشرح والتوضيح حتّى يفهم القارئ المعنى المراد من هذه الأبيات بشكل صحيح، وفيما يلي شرح لبعض هذه المفردات:

  • الغضا: نوع من الشجر، ذو خشب صلب حين يشتعل يحتاج زمناً طويلاً لينطفئ، ويراد به في النصّ اسم لمكان وهو وادي الغضا.
  • أزجي: أسوق، زجى الشيء: أي دفعه برفق.
  • القلاص: جمع قلوص ويقصد بها الناقة.
  • أشقر: المراد به حصان الشاعر.
  • الردينيّ: الرمح، اسمٌ ينسب إلى ردينة، وهي المرأة التي تعدّل الرماح.
  • سهيل: نجم يلمع في السماء.
  • السّدر: نوع من الأشجار يدعى النبق، ورقه يستخدم في الغسيل باستخدام الماء
  • الهيجا: الحرب.
  • الوغى: ساحة المعركة، وتأتي بمعنى الأصوات الناتجة عن القتال.
  • الرمسّ: تراب القبر.
  • ثاوياً: مستقراً.
  • أدلجوا: ساروا أثناء الليل.
  • عرْصة: قطعة من الأرض لا بناء فيها، المساحة بين الدور.

شاهد أيضًا: شعر عن عيد الاضحى

أهم الأفكار المتضمنة في مرثية مالك بن الريب

ما يميّز مرثية ابن الريب أنّه قالها لرثاء نفسه وهو في حضرة الموت، متناولاً فيها شوقه إلى دياره متحسّراً على شبابه وعلى ما يتّسم به من سمات حميدة، كما تضمّنت المرثية بعض الأفكار الرئيسة كان أهمّها:

الفكرة الأولى توبة مالك بن الريب، وتركه ما كان عليه.
الفكرة الثانية الامتنان لحفيد ابن عفّان وشكره على إصلاحه و نصحه.
الفكرة الثالثة الإشارة إلى دنو أجله وموعد رحيله.
الفكرة الرابعة شوق الشاعر إلى دياره وأهله وأبنائه وخوفه عليهم.
الفكرة الخامسة وصف حالة الفرس الحزينة بعد وفاة صاحبها.
الفكرة السادسة حزن أم الشاعر وزوجته عليه ووصيته لها.

أجمل ما قال مالك بن الريب

لم يكن مالك فارساً مقداماً فقط بل عرف أيضاً كشاعرٍ فكلماته كان لها وقعاً خاصاً تُطرب كلّ مستمعٍ لها، حيث قام ابن الريب في مرثيته بلوم نفسه التي سوّلت له الاستقرار في خرسان وترك أهله، وعلى الرغم من المنزلة العالية التي أنزلته إياها خرسان فهو مصرٌّ على هجرها وتركها، ويقسم بأنه إذا خرج سالماً من خراسان لن يعود إليها ثانيةً، وذلك لشدة تعلّقه بدياره الأولى التي ترك فيها أهله وأحبته حيث يقول:

لَعَمرِي لَئِن غالَت خُراسانُ هامَتي
لَقَد كُنتُ عَن بابَي خُراسانَ نائِيا
فَإِن أَنجُ مِن بابَي خُراسانَ لا أَعُد
إِلَيها وَإِن مَنَّيتُموني الأَمانِيا

وفي موضعٍ آخر من القصيدة يشير ابن الريب إلى بكاء زوجته عليه ووصيته لها بأن تزوره في قبره دائماً ويعبّر عن ذلك بقوله:

فَيا لَيتَ شِعري هَل بَكَت أُمُّ مالِكٍ
كَما كُنتُ لَو عالَوا نَعِيَّكِ باكِيا
إِذا متُّ فَاِعتادي القُبورَ وَسَلِّمي
عَلى الرَمسِ أُسقيتِ السَحابَ الغَوادِيا
عَلى جَدَثٍ قَد جَرَّتِ الريحُ فَوقَهُ
تُراباً كَسَحقِ المَرنبانِيِّ هابِيا

شاهد أيضًا: تحميل رواية على نور الشفق احيا واهيم، رابط تحميل مباشر

تحميل ديوان مالك بن الريب pdf

حرص المؤلفون على جمع قصائد وكلمات مالك بن الريب في كتابٍ واحد، حيث يعدّ مالك أحد أهم شعراء العصر الأموي و صاحب أصدق مرثية عبر التاريخ، والغريب في الأمر أنّه رثى نفسه وتغنّى بصفاتها وسماتها وهو على فراش الموت، ولتحميل ديوان الشاعر مالك بن الريب “من هنا“.

مالك بن الريب في السينما والتلفزيون

انطلاقاً من ضرورة تعريف الناس في عصرنا هذا بتراث العرب العريق وأصالة أجدادهم، أطلق مسلسلاً يجسّد سيرة حياة الشاعر مالك بن الريب وأهم الأحداث التي جرت فيها، حيث أدّى الممثل الكبير ياسر المصري رحمه اللّه دور مالك لما يملكه من مؤهلات من لسانٍ فصيح ولغةٍ سليمة، جعلت من هذا العمل عملاً متقناً ناجحاً.

مالك بن الريب في السينما والتلفزيون

صور أبيات شعر مالك بن الريب

فيما يلي بعض أبيات مرثية مالك بن الريب بالصور:

صور أبيات شعر مالك بن الريب
صور أبيات شعر مالك بن الريب
صور أبيات شعر مالك بن الريب

وإلى هنا نصل إلى ختام مقالنا مرثية مالك بن الريب، أبياتها ومناسبة قولها، والذي تناولنا فيه سيرة حياة الشاعر، ونقطة تحوله وجهاده، وذكرنا مناسبة مرثية مالك بن الريب كما أوردنا بعض أبياتها، بالإضافة إلى شرح ألفاظها وتوضيح أفكارها الرئيسة، كما زوّدنا المقال بديوان الشاعر وبعض صور أبيات الشعر.

أمل المحمد

مرحبًا! أنا أمل حسين المحمد، طبيبة عامة بعمر الـ 23 ربيعًا من الريف الدمشقي في سوريا.. بالطبع سيساعدني في تحقيق أهدافي في الوصول إلى قمة العلوم الطبية نشر الأبحاث وكتابة أحدث المقالات الطبية وأكثرها طلبًا عبر مختلف محركات البحث عبر صفحات موقع أطروحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock