حكم التلبية في الحج والعمرة وأبرز أقوال أهل العلم في حكمها
حكم التلبية في الحج والعمرة وحكم الدعاء بعدها هو الحكم الشرعي الذي سيتم بيانه عبر هذا المقال، فالكثير من المسلمين يبحثون عنه بالتزامن مع دخول موسم الحج والعمرة، ولأن التلبية واحدة من أعمال ومناسك الإحرام، وهي من شعائر الإسلام في الحج والعمرة، والتي ترافق هاتين العبادتين العظيمتين، في زيارة عباد الرحمن لبيته العتيق في مكة المكرمة، وعبر موقع أطروحة سيتم التعريف بالتلبية وبيان أحكام التلبية كاملة وشرحها.
معنى التلبية للحج والعمرة لغة واصطلاحا
إن التلبية في الحج والعمرة هي أحد أعمال الحج والعمرة على حدٍّ سواء، فالتلبية في معاجم اللغة تعني إجابة المنادي، وهي في الاصطلاح الشرعي قول المحرم: “لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيكَ، لبَّيك لا شريكَ لك لبَّيك؛ إنَّ الحمْدَ والنِّعمةَ لك والمُلْك، لا شريكَ لك” وتسمى الإهلال بالحج، فلما يُقال أهل فلانٌ بحجه أي لبّى عند إحرامه للحج والعمرة، وتسمى التلبية إهلال لرفع المحرم صوته فيها والله ورسوله أعلم.[1]
شاهد أيضًا: حكم إعاذة من استعاذ بالله
حكم التلبية في الحج والعمرة
إن الراجح في حكم التلبية في الحج والعمرة أنّها سنّة مستحبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك ما اختاره أصحاب المذهب الشافعي والحنابلة، واختاره الشيخان ابن عثيمين وابن باز رحمهما الله، ولكن قد ورد خلاف بين أهل العلم في حكم التلبية، فقال بعضهم أنّها سنّة من السنن وهو القول الراجح الذي تم ذكره وذهب إليه جمهور أهل العلم، وقيل أنّها واجبة إذا تركها المسلم وجب عليه دم، وقيل أنّها واجبة لكن يقوم مقامها فعلٌ آخر من أفعال الحج ولا يجب بتركها دم، وقال الأحناف أنّها ركنٌ من أركان الإحرام التي لا ينعقد الإحرام إلا بها.[2]
وقد استدل أهل العلم على مشروعيتها بكثير من الأحاديث الصحيحة، ومنها حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه أنّه قال:
“سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا يقولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لكَ، لا يَزِيدُ علَى هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ. وَإنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا كانَ يقولُ: كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ به النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الحُلَيْفَةِ، أَهَلَّ بهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ. وَكانَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهما يقولُ: كانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه يُهِلُّ بإهْلَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مِن هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ، ويقولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ في يَدَيْكَ، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ“.[3]
أقوال أهل العلم في حكم التلبية
ورد عن أهل العلم الكثير من الأقوال والآراء عن حكم التلبية في الحج والعمرة ومن أبرز ما ورد عهم ما سيتم ذكره فيما يأتي:[4]
- قال الشيخ ابن عثيمين في التلبية:
“التلبية سنة للرجال والنساء وهي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. وينبغي أن يذكر نسكه إن كان محرماً بعمرة أو حج فيقول مع التلبية: لبيك عمرة إن كان محرماً بعمرة، أو لبيك بحجة إن كان محرماً للحج، أو لبيك عمرة وحجاً إن كان محرماً بالقران. والرجل يرفع صوته بذلك، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال. أما المرأة فلا ترفع صوتها بذلك لما يخشى من رفع صوتها من الفتنة”.
- قال الشيخ ابن باز في التلبية:
“إذا كان نوى العمرة عند إحرامه ولكن نسي التلبية وهو ناو العمرة، حكمه حكم من لبى، يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، وتشرع له التلبية في أثناء الطريق، فلو لم يلب فلا شيء عليه لأن التلبية سنة مؤكدة”.
- قال الحافظ بن حجر في الفتح:
“وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَحَكَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَيَجِبُ بِتَرْكِهَا دَمٌ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِك عِنْدهم إِلَّا أَن ابن الْجَلَّابِ قَالَ التَّلْبِيَةُ فِي الْحَجِّ مَسْنُونَةٌ غَيْرُ مَفْرُوضَة وَقَالَ ابن التِّينِ يُرِيدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ وَلِذَلِكَ يَجِبُ بِتَرْكِهَا الدَّمُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً لَمْ يَجِبْ وَحَكَى ابن الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُمْ بِتَرْكِ تَكْرَارِهَا دَمٌ وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ”.
حكم التلبية في الحج والعمرة ابن باز
اختار الشيخ ابن باز في مسألة التلبية في الإحرام أنها سنّة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتركها لا يوجب دم على المسلم ولا حرج عليه لو تركها وحجّه صحيح، وقد ورد في فتواه ما يأتي:[5]
“التلبية سنة، إذا أحرم من الميقات أو من مكة إن كان من أهل مكة، أو من جدة إن كان من أهلها فإن إحرامه صحيح إذا نوى العمرة، وهكذا الحج والسنة التلبية. نعم”.
شاهد أيضًا: هل يهتز عرش الرحمن عند بكاء العبد
هل التلبية سنة أم واجبة ؟
مع وجود خلاف بين أهل العلم في حكم التلبية في الحج والعمرة إلا أنّ الراجح في قول العلماء أنّها سنّة مستحبة في حق المحرم، وإنها لا تجب عليه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال: “أنَّ عَبْدَ اللهِ لَبَّى حِينَ أَفَاضَ مِن جَمْعٍ، فقِيلَ: أَعْرَابِيٌّ هذا؟ فَقالَ عبدُ اللهِ: أَنَسِيَ النَّاسُ أَمْ ضَلُّوا؟! سَمِعْتُ الذي أُنْزِلَتْ عليه سُورَةُ البَقَرَةِ يقولُ في هذا المَكَانِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ“[6] ففعل النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر يفيد الاستحباب لا الوجوب والله ورسوله أعلم.[7]
حكم تأخير التلبية بعد الإحرام
لا حرج على المسلم أن يؤخر التلبية بعد الإحرام عند أهل العلم الذين قالوا أنّها سنّة وليست واجبة، فالمسلم الذي يحرم بالحج أو العمرة سواءً كان من أهل مكة أم من أهل الأمصار لا يشترط في صحة إحرامه أن يلبي، لأن التلبية من سنن الإحرام، وهي من السنن القولية، ولكن الواجب عليه والمشروط لصحة الإحرام عقد النية في القلب، لأن النية مشروطة، وهي ركنٌ رئيس من أركان العبادات كلّها، ولكن لو لبى كان خيرًا له وهو موافقة للسنة النبوية الشريفة والله أعلم.[8]
وقت التلبية للحج والعمرة
يشرع للمسلم عند الإحرام أن يغتسل ويتنظف ويتطهر ويتطيب في بدنه ويصلي ركعتين ثم يرتدي ثياب الإحرام أو ثوب الإحرام، ثم يهلّ بالنسك ملبيًا، أو ينوي الدخول بالنسك، ومن المسنون والمستحب مع هذه النية إطلاق التلبية مسميًا النسك الذي يريده عمرةً أو حجًا، وفي الوقت المشروع للتلبية ما سيتم شرحه فيما يأتي:[9]
ابتداء وقت التلبية
إن السنة أن يبدأ المسلم التلبية حين يحرم، وذلك باتفاق أهل العلم، فالوقت المشروع للتلبية في الحج والعمرة بعد الإحرام مباشرةً وأفضله حين يستوي على دابته، وقد ذكر ابن قاسم رحمه الله في حاشية الروض قال:
“والأصح: أن السنة ابتداء التلبية عقب إحرامه، قدمه وجزم به في الإقناع، وصححه في شرحه. وعن سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: عجبًا لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله. فقال إني لأعلم الناس بذلك، إنما كانت منه حجة واحدة، فمن هناك اختلفوا، لما صلى في مسجد ذي الحليفة أوجب في مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام، فحفظوا عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل، فأدرك ذلك أقوام، فحفظوا عنه، وذكر لما علا على البيداء، وأيم الله لقد أوجبه في مصلاه. فأزال الإشكال رضي الله عنه”.
شاهد أيضًا: شرح حديث من سن في الإسلام سنة حسنة
انتهاء وقت التلبية في الحج
يختلف وقت انتهاء التلبية في الحج والعمرة بحسب اختلاف أعمالهما، حيث إن وقت انتهاء التلبية في الحج تحديدًا عند بدء رمس جمرة العقبة يوم النحر، ولم يفرق أهل العلم في هذا التوقيت بين الحاج المفرد والحاج القارن، والحاج المتمتع، وعلى هذا الأمر اتّفق فقهاء المذاهب الأربعة، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنّه قال: “أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرْدَفَ الفَضْلَ، فأخْبَرَ الفَضْلُ: أنَّه لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حتَّى رَمَى الجَمْرَةَ“.[10]
انتهاء وقت التلبية في العمرة
في وقت انتهاء التلبية في العمرة يكون عندما يشرع المعتمر بالطواف، وهو ما اختاره جمهور أهل العلم من الأحناف والشافعية والحنابلة، وقال به طائفةٌ من السلف، وقد ذكر ابن المنذر في الإشراف قال: “فقالت طائفةٌ: يقطع التَّلْبِيَة إذا افتَتَحَ الطوافَ، هذا قول ابن عباس، وعطاء، وعمرو، وابن مسعود، وطاووس، والنخعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وهو قولُ أكثرِ أَهْل العِلْمِ”.
حكم الدعاء بعد التلبية في الحج والعمرة
يستحب للمسلم المحرم أن يكثر من التلبية في الحج والعمرة باتفاق أهل العلم، وكذلك يستحب له الإكثار من الدعاء بعد التلبية، وذلك لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه كان يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار بعد أن ينتهي من التلبية، وقد قال الإمام الشافعي في معرفة السنن والآثار: ” ومعقولا أن الملبي وافد الله ، وإن منطقه بالتلبية منطقه بإجابة داعي الله ، وأن تمام الدعاء ورجاء إجابته الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يسأل الله تعالى في إثر كمال ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ، ويتعوذ من النار ، فإن ذلك أعظم ما يسأل ، ويسأل بعدها ما أحب”.[11]
صيغة التلبية وحكم الزيادة عليها
إن التلبية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم كانت بقوله: “لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ ، لاَ شَرِيكَ لَكَ ، لاَ يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ” ولكن ورد عن كثير من الصحابة رضوان الله عنهم أنهم زادوا على هذه الصيغة، فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف عن المسور بن مخرمة قال: “كانت تلبية عمر : لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك , إن الحمد والنعمة لك والملك , لا شريك لك ، لبيك مرغوبا أو مرهوبا , لبيك ذا النعماء والفضل الحسن” فبذلك الأفضل للحاج والمعتمر أن يلزم تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن زاد عليها بعض الألفاظ كالتي وردت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أو غيرها فهو جائز ولا حرج عليه والله ورسوله أعلم.[12]
إلى هنا نصل وإياكم لنهاية مقال حكم التلبية في الحج والعمرة وحكم الدعاء بعدها، والذي قدّم تعريفًا لمفهوم التلبية وبيّن حكمها ووقتها، وبيّن إن كانت واجبة أم سنة، كما وضّح المقال الصيغ المشروعة للتلبية وحكم الزيادة عليها، وسلط الضوء على الكثير من الأحكام الشرعية الأخرى التي ترتبط بهذه المسألة.
جزاكم الله خير